إعلام

ترشيد سوء استخدام وسائل تكنولوجيا الاتصال في ظل الاغتراب الاجتماعي

لا أحد ينكر موجة التطورات الجذرية الحاصلة في العقود الأخيرة على مستوى المجالات المعرفية المختلفة والقائمة بالعالم، والتي كان لها الأثر العميق على عمليات التواصل والتفاعل الاجتماعي، وقد نتج عن هذا التطور والاندماج تفاعل الثقافة العلمية ومنجزات العلم والتكنولوجيا بالظاهرة الاتصالية، وأصبحت تكنولوجيا الاتصال عنصرا أساسيا من خلال عمليات الابتكار في مختلف أشكال التعبير والتواصل، حيث نلحظ تهافت أفراد المجتمع على استخدام تقنيات الاتصال في علاقاتهم الاجتماعية، وهكذا أحدثت التكنولوجيا الحديثة أثرا على الأنماط التقليدية في التفاعل الاجتماعي.

فقد حولت وسائل التكنولوجيا والأجهزة والأنظمة الاتصالية الحديثة المتطورة العالم إلى قرية صغيرة بين أيدينا عند استخدامها وفق الشكل الصحيح وذلك باختصارها للمسافات والزمن، وإذا أسيئ استخدامها فإنها لن تصب في خدمة الإنسان والمجتمع ككل، فالشباب يستعملون الأنترنت والهواتف الذكية كوسيلة للاتصال مع الأشخاص المقربين منهم عاطفيا ويتصرفون في معظم الحالات بدون وازع أخلاقي وديني مما يجعل هذه الوسائل تعود عليهم بالسلب.

يعيش شبابنا مشاكل كثيرة لا يمكن حصرها وذلك راجع إلى نسبتهم بين مجمل السكان، والنمو المتسارع في عددهم وبالتالي تتزايد الحاجات الخاصة بهم، من الناحية التعليمية والعملية والاجتماعية والاقتصادية، أضف إلى ذلك ظاهرة استهلاك تكنولوجيا الاتصال الحديثة خصوصا كثرة استخدام الهواتف الذكية والأنترنت وما يتبعها من ظواهر سلبية تنعكس بصورة لا إرادية على علاقة الشباب بمجتمعهم و بوطنهم.

“لن تستطيع أي دولة تطبيق قوانينها الخاصة بوسائل تكنولوجيا الاتصال ويبقى أمامها حل مهم يتمثل في تعزيز خط دفاعها الأمتن: جهاز المناعة الذاتية المعتمد على تقوية مؤسسات التنشئة الاجتماعية بغية التمكن من إنشاء أجيال أكثر نضجا وقدرة على التصدي لسلبيات الاستخدام السيء لهذه الوسائل” أمين أمكاح

إن المتغيرات والتطورات الحاصلة في أنظمة تكنولوجيا الاتصال وسوء استخدامها أدى إلى حالة الاغتراب الاجتماعي، والتي تشمل علاقة الشاب بذاته وبالآخرين، كما تشمل جوانب اجتماعية ونفسية، بفعل انهيار العلاقات الاجتماعية التقليدية، كعدم الرضا والرفض لكل قيم المجتمع والأسرة والمدرسة.

يدور مفهوم الاغتراب حول الشعور بعدم الانتماء وانعدام الشعور بالحياة والعجز عن التوافق سواء مع النفس أو مع الآخرين، كما أن الاغتراب يرتبط بعدة أبعاد من أبرزها العزلة الاجتماعية، الشعور بالعجز، والنظرة السلبية وعدم الهدفية وتنامي حالة الرفض والتمرد وسوء التكيف والتعرض للأمراض النفسية والجسمية والانحرافات بمساراتها المتعددة كالخروج على النظام والتمرد والشذوذ والتعصب وفقدان الحس الاجتماعي والسلبية واللامبالاة.

إن استعمال وسائل تكنولوجيا الاتصال الحديثة تعود لطبيعة الشخص المستخدم ومدة استعماله لها فقد تستعمل في إنجاز الأعمال المهمة الصالحة للإنسان أو تستعمل من أجل العبث وتمضية الوقت.

لن تستطيع أي دولة تطبيق قوانينها الخاصة بوسائل تكنولوجيا الاتصال ويبقى أمامها حل مهم يتمثل في تعزيز خط دفاعها الأمتن: جهاز المناعة الذاتية المعتمد على تقوية مؤسسات التنشئة الاجتماعية بغية التمكن من إنشاء أجيال أكثر نضجا وقدرة على التصدي لسلبيات الاستخدام السيء لهذه الوسائل، بالإضافة طبعا إلى مواجهتها تكنولوجيا ورفع تحدي المنحرفين عبر إنترنت بمقارعتهم موقع بموقع أو بالعمل على غربلة معلوماتهم ومواقعهم، ومحاولة ابتكار تقنيات برمجية ترميزية تمكنه من تصفية أو تشويش الرسائل والصور التي لا تتوافق مع الذوق العام وقيم وعادات بعض الحضارات، ثم تدعيمها بقوانين ردعية.

ولايمكن أن يتم هذا الترشيد والتوجيه السليم إلا من خلال:

ـ تطوير المجال التعليمي في حقل وسائل تكنولوجيا الاتصال الحديثة من خلال تحديث المناهج والوسائل، وتنوير الشباب لسلبيات استخدام هذه الوسائل، إضافة إلى المعالجة الصريحة للمشكلات؛ ككيفية التعامل معها وتوجيههم إلى كيفيات الاستعمال الصحيحة ومساعدتهم في توفير الحاجات النفسية، وكذلك فتح المجال أمام الأنشطة الشبابية عبر تشجيع المنظمات والأندية والاتحادات لتطوير نمط الاتصال التفاعلي المباشر، مع العمل على استيعاب طاقات الشباب وإشراكهم في تنمية علاقاتهم بمجتمعهم ووطنهم.

ـ كما يجب أن لا نغفل الاهتمام بالإعلام الشبابي وفي مختلف الوسائل وتصميم برامج متخصصة تتناول قضاياهم ومشكلاتهم. وكذا تعليمهم المهارات اللازمة لحل مشاكلهم والابتعاد عن كل ما يؤدي إلى الأمراض النفسية والاجتماعية، بأن يتعاملوا مع وسائل تكنولوجيا الاتصال الحديثة من أجل خدمة الإنسان لا من أجل العبث بها، بحيث يكون التصرف مع هذه الوسائل بطريقة حضارية وبوازع ديني وأخلاقي وقيمي، مع العمل على زرع فكرة أساسية لدى الشباب بكون هذه الوسائل لا تغني عن التحدث مع الآخرين.

ـ إن تفعيل دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية وتعزيز دورها يضمن لنا حماية الشباب من الأثار السلبية لوسائل تكنولوجيا الاتصال الحديثة.

ـ كما لا ننسى دور الأولياء في مراقبة ومتابعة الأبناء وهواتفهم ومشاهداتهم وتقديم النصح والإرشاد لهم، ووضع قيود من طرف الأولياء للأطفال وتجنيبهم الرسائل الاتصالية الهدامة.

اظهر المزيد

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى