أدبقصة

ويبقى الحُبّ

للمَرةِ الثالثةِ يَتلقّى رسالةً بنفْسِ الظَّرفِ الغريبِ ، ولكنْ هذهِ المرَّةَ لم يجدْها على مَكتَبِه بل فُوجئَ بها مُلقاةً خَلفَ بابِ المكتَبِ حالَ دُخولِه صَباحًا.
– سَوفَ أُحاولُ قراءتَها فما بَعدُ ، وأرجو أنْ تكونَ بخطٍّ أوضحَ من سابقَتِها.
قَبلَ أنْ يُتِمَّ إِغلاقَ الدُّرجِ غلبهُ الفُضولُ والقَلقُ فأعادَ فَتحَهُ وتناولَ الرِّسالةَ وفَتَحها !

كان الخطُّ فِعلا واضحًا تمامًا، وتَذَكَّرَ بلمحةٍ سَريعةٍ الرسالةَ الأولى القَصيرةَ جِدًّا التي كان خَطُّها باهتًا رديئًا غيرَ مقروءٍ ، حتى إنَّه لم يَتردَّدْ في تَمزيقِها ، والرسالةَ الثانيةَ الأطولَ قَليلا والّتي استطاعَ أنْ يُميّزَ فيها بعضَ الكلماتِ والعِباراتِ ، تِلكَ العِباراتُ التي تَرَكَتْهُ مُذ قَرأها قَلِقًا رَغمَ أنَّهُ استبعَدَ مَضْمونَها واجتَهَدَ بِكُلِّ ما أُوتي مِنْ بَراعةٍ لُغويَّةٍ في تأويلِها وحمْلِها على ما لا يكره، وغلَّبَ حُسنَ الظَّن مُلتمِسًا ما عَلِمَ ومَا خَفِيَ منَ الأعذارِ.
– هذهِ واضِحةٌ جليَّةٌ كشمسِ ظهيرةٍ في الصَّيفِ !
التَّوقيعُ أوَّلُ ما لَفَتَ نظَرَهُ وأدْهَشَهُ قَبلَ قِراءَةِ النَّصِّ ..

بحُزْنٍ بالغٍ أطبَقَ قبضتهُ على الوَرَقَة وشَخَصَ ببصَرِهِ إلى الرَّدْهَةِ لبَعضِ الوَقتِ يُراقِبُ حَركةَ أصحابِهِ ونَشاطَهَم ودَأبَهُم ، وتَخيَّلَ الراحِلينَ بَينَهُم؛ وهُنا .. بَسطَ الرسالةَ وأعادَ قراءتها ثانِيةً ..
لَطالما تَساءَلَ عَنْ سَببِ رَحيلِ بَعضِهِم وحارَ في تَفسيرِهِ ..
– إذًا هَكذا كانَ الأمرُ
هزَّ رأسه أسفًا
– ستبقَى حبيبًا إلى قَلبي ، ولَنْ أقولَ فيكَ إلا خَيرًا
نظرةٌ أخيرةٌ إلى مَكتَبِهِ الحبيب والرَّدهَةِ والأصحابِ ..
إرتَدَى كبرياءَهُ وانصرَف.

اظهر المزيد

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى